الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْحَمْدُ وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اختاره الله ليكون له خليلًا مختصّا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ .
المدن كالبشر، ولكل مدينة وظيفة
باريس تنتج العطور، نيويورك تنتج الأفلام، ريو دي جانيرو ترقص
أما القدس فتقاوم.. اما فلسطين فتحارب!
يا أهل فلسطين.. لقد أشعلتم في نفوسنا جذوةَ النخوة والمروءة، وأحييتم في صدورنا هيبةَ العزة والكرامة، وذكرتمونا ببطولات أجدادنا في بدر وأحد والقادسية وحطين وعين جالوت.
يا أهلنا في فلسطين.. أنتم مدرسةٌ تعلَّمْنا منها معاني الصبر والثبات والشجاعة والتضحية في سبيل الله تعالى.
رضي الله عنكم يا أهل فلسطين فقد أعدتم للأمة كرامتها..
وما أنتم فيه من غدوة وروحة في سبيل الله لا يعدلها شيء من الحياة الدنيا..
يسأل أحدهم: هل يوجد لديهم ملاجئ في غزة أثناء القصف؟
فالجواب: نعم، ملجؤهم هو الله عز وجل "ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم".
لسان حال أهل فلسطين يردد:
أتظـن أنـك عـنـدمـا أحـرقـتـنـي
ورقـصـت كـالـشـيـطـان فـوق رفـاتـي
أتظنُ أنكَ قد طمستَ هويتي
ومحوتَ تاريخي ومعتقداتي؟
عبثًا تحاول .. لا فناء لثائرٍ
أنا كالقيامة، ذات يوم آتٍ
سـأعـود بـالـتـوراة والانـجـيـل
والـقرآن والـتـسـبـيـح والـصـلـواتِ
معاشر المؤمنين:
إنَّ وقوفنا مع فلسطين اليوم
لن يحميها من الصواريخ التي تنزل عليها، ولكنه سيحمينا نحن غداً من أن نقف أمام المرآة ونحتقر أنفسنا.
قضية فلسطين نصرها محسوم
بالنص القرآني والوعد الإلهي: "وإن عدتم عدنا".
أما أنا وأنت فسنُسأل: مع أي الفريقين كنا.. مع المناصرين أو المخذلين؟.
"والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض"
عندما حاصر الأحزاب المدينة المنورة
نأى المنافقون بأنفسهم وقالوا: ليست قضيتنا، مع أن المدينة بلدُهم ووطنُهم
ونحن تستغرب اليوم من الذين يقولون .. فلسطين ليست قضيتنا!.
بعضهم يساوي بين الجلاد والضحية، بل يلوم الضحية، ويُبرئ الجلاد من جرمه!. "أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون".
ولكن يا أهلنا في فلسطين.. لا تهنوا أيُّها الأبطال، ولا تحزنوا ممَّا يلمزكم به بعضهم في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق فيما يقول: "لا يضرهم من خذلهم".
إنَّ في بلداننا وجموعنا رجالًا ونساءً وأطفالًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم، حبستهم الحدودُ بين الدول.
نُحن في الحقيقة نغبطكم أن خصَّكم الله بشرف الجهاد في سبيله، والدفاعِ عن بيوت الله ومقدسات المسلمين، والذودِ عن عرض وشرف الأمة، وإن الله معكم ولن يتركم أعمالكم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ هَادِياً وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
وانتصرت فلسطين وغزة.. عند الساعة الثانية من صباح اليوم.
﴿قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ الله بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ﴾ صدق الله.. والله أكبر ولله الحمد..
الحقُّ يُرجِعُه سيفٌ ورشّاشُ
وفارِسٌ ضاربٌ في الحربِ جيّاشُ
فَاسْتوحِ من كُتُبِ التّاريخِ عِبرتَها
هلْ أرجَعَ الحَقَّ خَوّافٌ ورَعّاشُ؟!
قُل ما شئتَ حول أحداث غزة وفلسطين، لكن الواقع أن صواريخ المقاومة لم تسقط على رؤوسِ الصهاينة إلا بعد كتابة بعض الحقائق في الجو: العدو جبان، وبعض العالم منافق، والتآزر الشعبي أول محطات الوحدة، وغزة أيقونة الكفاح والنصر.
والله لو كان النصر اليوم فقط لأجل الصمود العجيب طيلة الأيام الماضية أمام قوة كيان غاشم وعدو ظالم، لاستوجب هذا الصمود احتفالا وفرحا عظيما.
فما بالك بنصرٍ جاء بعد تركيع العدو، وضَرْبِ أجلّ أمثال البطولات في الشجاعةِ والتضحية!
وانتصرت فلسطين.. ولكنه ليس كمال النصر ونهايته وإنما مقدمته وبدايته..
أبشري بالنصرِ ياغزّة هاشمْ
ياربوعَ القدسِ يا أرضَ المكارمْ
سترين الفجرَ وثّاباً مُضيئاً
ساطِعَ المِعراجِ، والمسرى يُقاوِمْ
سُنّةُ الرحمنِ في الكونِ انتصارٌ
يرفعُ الحقّ ، فيهوي كلُّ غاشمْ
أبشري؛ فالله لا يُهمِلُ لمّا
يُمْهِلُ الناسَ ، وإنّ النّصرَ قادمْ
فلسطين ليست للفلسطينيين فحسْب، إنها حق إسلامي لكل الأمة ولكل فرد فيها..
لذا عَلَى كل مسلم ومسلمة فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ أَنْ يَنْصُرُوا إِخْوَانَهُمْ فِي فِلَسْطِينَ بما يستطيعون ماليا وإعلاميا ونفسيا ومعنويا، إلى أن تتحررَ الْمُقَدَّسَاتِ الإسلامية، ويُرَدَّ الْحَقُّ السَّلِيبُ إِلَى أَهْلِ الإِيمَانِ، وَإِنَّنَا لَعَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ؛ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ بإذن رب العالمين.
ولنتذكر أخيرًا هذا الحديث الخطير:
"مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ" رواه أحمد.
والحديث الخطير الآخر:
"مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، أَذَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ"رواه أحمد بسند حسن.
يا ربَّ الفَّلَق.. افتَحْ لهم ما انغَلَق
اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم أحقن دماءهم وآمنهم في ديارهم، وأرغد عيشهم، واكبت عدوهم.
يا من لا يُهزم جندك، ولا يخلفُ وعدك، إن الصهاينة قد بغوا وطغوا وأسرفوا في الطغيان. اللهم هيئ لهم يداً من الحق حاصدة؛ تكسر شكوتهم، وتستأصل شأفتهم، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق.
اللهم لا تُقِم لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية.
معاشر المسلمين.. - أتدرون أين نجد السعادة؟! في الحديث الصحيح: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمَسكَن الواسع، والجار الصالح، والمركَب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء" رواه ابن حبان وصححه الأل...